الثورة السودانية: ربيع عربي باحترام دولي/ بقلم محمد خليفة
الثورة السودانية: ربيع عربي باحترام دولي/ بقلم محمد خليفة
*الحراك الثوري يحاصر الجيش ويضعه في حالة دفاع
*الثورة تحاشت أخطاء الثورات السابقة السودانية والعربية
*البرامج التي تطرحها قوى التغيير: لا حزبية ولا طائفية
*الثورة السودانية وشقيقتها الجزائرية فرضتا احترامهما على الداخل والخارج بفضل وعي القيادة والشعب, وقطعتا الطريق على أي تدخل أجنبي, وتفوقتا على ثورة ((السترات الصفر)) !
*الثورة السودانية ((ليست ربيعاً عربياً فقط بل صيف سوداني ساخن)) ستكون لها نتائج وآثار عميقة وواسعة على الصعيد العربي
مراجعة تجارب ثورات الربيع العربي المجهضة تبين وجود عملية التفاف ماكرة على مطالب الشعوب في لحظة مفصلية من كل ثورة, تقع بين إقالة رأس النظام, وعودة النظام القديم بوجوه جديدة. إذ تتدخل المؤسسة العسكرية لفرض وصايتها بحجة الخوف من فراغ السلطة, وانهيار الدولة, والحاجة لمرحلة انتقالية, وتقوم اشباح الدولة العميقة بترتيب عملية إعادة السلطة الى شاغليها القدامى, فتضيع الثورة , وتتبدد أحلام الجماهير, في انتظار انتفاضة جديدة, بعد جيل أو جيلين! .
تكررت عملية الالتفاف في سيناريوهات الموجة الأولى من الربيع العربي, فانتهت الى احباطات مريرة, ونتائج صفرية. وأصبحت درساً لقادة الموجة الثانية في شمال افريقيا ليتجنبوا الوقوع بها.
ومن الواضح أن قادة الحراك السوداني هم الأكثر استيعاباً للدرس, فقرروا التمترس في الشارع بعد مسرحية خلع البشير, واستيلاء العسكر على السلطة, وأصروا على تسليم السلطة لحكومة مدنية تمثل إرادتهم, رافضين ((المرحلة الانتقالية)) بادارة عسكرية. لا سيما أن الشبهات أحاطت سلوك الجنرالات, وأولها أن مهندس الانقلاب الذي تولى السلطة عوض بن عوف كان نائب المخلوع وشريكاً له في جرائمه, وتعهد له قبل خلعه بحمايته. وثانيها أن الجيش يريد فترة انتقالية لعامين, وهي مدة طويلة. وثالثها أن وضع الرئيس المخلوع غير واضح. وآخرها أن الاعتقال لم يشمل بقية أركان النظام السابق, ولا تعهد بتطهير جذري.
لذلك رفض قادة الحراك الانسحاب من الشارع, ولا سيما ساحة الاعتصام الرئيسية قرب قيادة الجيش, والذي بدأ يوم 6 نيسان / ابريل الجاري, للاحتماء بالجيش من رصاص أجهزة النظام الحزبية السرية, وتذكير قادة الجيش بسابقة سلفهم عبدالرحمان سوار الذهب حين لبى عام 1985 نداء الشعب فعزل جعفر النميري وسلم السلطة لحكومة منتخبة خلال سنة.
السيناريو الدموي
وقد تكرر سيناريو 1985 فعلاً, وأكدت المعلومات أن البشير اجتمع بقادة الجيش في 7 نيسان/ أبريل وأمرهم بفض الاعتصام بالقوة, على طريقة بشار الأسد, مدعياً أن الشريعة الاسلامية تسمح له بقتل 30 % على الأقل من السكان للحفاظ على السلطة! . فقرر الجنرالات خلعه, وشكلوا مجلساً عسكرياً لادارة البلاد عامين, وفرضوا منع التجوال ليلاً لمدة شهرين, وأمروا بفض الاعتصام, وكأن الثورة انتهت!
غير أن الشارع المتوجس والمرتاب بنوايا العسكر, وقادة الحراك المتعظين بالتجارب السابقة في السودان والمحيط العربي كانت له كلمة أخرى: لا لفض الاعتصام, ولا لتسليم السلطة للعسكر, ولا مرحلة انتقالية طويلة, ولا تراجع قبل اجتثاث النظام السابق من جذوره, ونقل السلطة لحكومة مدنية تمثل إرادة الشعب.
تحول الاعتصام تحدياً شعبياً وثورياً حقيقياً للمؤسسة العسكرية, وحصاراً فعلياً لها في عقر دارها. ولم تمض ساعات حتى اضطر رئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع ونائب البشير عوض بن عوف للانحناء أمام الشارع المتحفز فاستقال وسلم رئاسة المجلس للفريق عبد الفتاح البرهان الذي اضطر لإعلان الاستعداد للتفاوض مع قادة الحراك, لايجاد صيغة مشتركة وأبدى الاستعداد للحوار مع مائة شخصية من قادة الحراك, وضاعف إجراءات ملاحقة رموز النظام لتشمل نائب البشير علي عثمان طه, ورئيس الحزب الحاكم احمد هارون، ورئيس البرلمان احمد طاهر, وشقيقي البشير, ثم قرروا التحقيق مع البشير بتهمة حيازة أموال في قصره, لا بجرائم قتل المتظاهرين أو جرائمه الكثيرة خلال 30 سنة.
وقرأ قادة الحراك في مواقف الجنرالات مؤشرات على نية مبيتة للاحتفاظ بالحكم, ورفض مبطن لتسليم السلطة لممثلي الثورة, فعلقوا المفاوضات معهم, ورفعوا وتيرة الحراك في الشارع. ووصفوا ما وقع بنصف انقلاب, ورأوا أن النظام ما زال قائماً, والمجلس العسكري نسخة منه. وأعلن وجدي صالح المتحدث بإسم قوى التغيير والحرية في بيان شديد اللهجة أمام ملايين السودانيين: لا مطلقة لحكم العسكر, وأي إدارة انقلابية, ورفض الإعتراف بأي مؤسسة تمثل نسخة جديدة للنظام البائد, وطالب العسكر بتسليم السلطة فورا لحكومة انتقالية مدنية تختارها قوى الثورة, لأن مهمة الجيش الوحيدة حماية الشعب والبلاد لا الحكم.
لم يقع ثوار السودان في فخاخ العسكر, ورفضوا أنصاف الحلول, ورفضوا اقتسام السلطة معهم. وأشهروا ((المبدأ)) الذي ضيعته ثورات الربيع السابقة, مخدوعة بفكرة المرحلة الانتقالية, وهو أن الشعب مصدر الشرعية لا الجيش ولا الدولة العميقة. ورفضوا التفريط بهذا المبدأ, لأن من شأنه تكرار الفشل وضياع الثورة, لا سيما أن بعض جنرالات المجلس العسكري من حزب البشير ويتبنون ايديولوجيته!.
لذلك أخذوا زمام المبادرة , باعتبارهم السلطة الثورية الشرعية, لا الجيش, فأوقفوا الاتصال بالمجلس العسكري ودعوا لتشكيل ثلاث مؤسسات:
-
مجلس سيادة أعلى من قادة الثوار يضم ضباطاً يختارهم الثوار.
-
حكومة مدنية بالكامل.
-
هيئة وطنية تكون بمثابة برلمان مؤقت.
-
مدة انتقالية من أربع سنوات.