مؤتمر وارسو يكرس ايران خطرا على العالم
——————————
79 دولة تجتمع لتضع سياسة مواجهة مشتركةواشنطن تعزز عقوباتها الاقتصادية بتدابير سياسية دوليةما هي حقيقة مواقف الدول الأوروبية ؟بقلم محمد خليفةاختتم في العاصمة البولندية ( مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط ) أعماله يومي أمس وأمس الأول ( 13 و14 فبراير ) بقرارات وخطوات جماعية تعكس قلق العالم المتنامي من الخطر الايراني لا على دول الخليج , ولا على منطقة الشرق الأوسط , فقط , ولكن على العالم كله . كما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي ترأس بلاده وبولونيا المؤتمر الأول من نوعه , والذي شاركت في أعماله 79 دولة من القارات الخمس , وأربع منظمات دولية .وجاء المؤتمر خطوة جديدة في سياق الاستراتيجية الاميركية للتصدي لإيران , تستهدف عزلها ديبلوماسيا وسياسيا على الصعيد الدولي , بعد العقوبات الاقتصادية ( الأشد في التاريخ ) التي بدأت في تطبيقها , اعتبارا من مايو الماضي .وتزامن انعقاده مع الذكرى السنوية الأربعين للثورة الايرانية, ومع انعقاد (قمة سوتشي) في روسيا بحضور رؤساء روسيا وايران وتركيا .والجدير بالذكر أن روسيا قاطعت المؤتمر , واعترضت على أن الوثيقة الختامية ، ستعدّها اميركا وبولندا فقط , بدون مشاركة الدول الأخرى . وشكك وزير الخارجية سيرغي لافروف في قدرة المؤتمر على معالجة قضايا المنطقة .أما تركيا فلم تتلق دعوة لحضور المؤتمر دون إيضاح رسمي للأسباب , والارجح أن ذلك يشكل عقوبة معنوية لها بسبب علاقتها القوية بايران , وتنسيق الطرفين مع روسيا في الملف السوري .وقد تطلب الاعداد للمؤتمر عدة شهور من العمل والاتصالات مع عشرات العواصم , وخاصة العربية والأوروبية . وتطلب قيام بومبيو بجولة شملت سبع دول عربية في منتصف يناير الماضي , وترافقت مع حديث عن إنشاء ( ناتو عربي ) يضم ست دول بدعم أميركي . كما ترافقت مع تصعيد متبادل في التهديدات بين ايران واسرائيل التي شاركت بدور ملحوظ في مؤتمر وارسو ووفد كبير ترأسه رئيس وزرائها .وربط بعض المراقبين بين انعقاد مؤتمر وارسو واجتماع واشنطن لوزراء خارجية (التحالف الدولي للحرب على داعش) , والإعلان عن انتصار الحلف , والقضاء على داعش في سورية والعراق . وقال هؤلاء المراقبون إن مؤتمر وارسو سوف يشكل مظلة لتحالف دولي جديد ضد الارهاب الايراني وميلشياتها التي تزرع الفوضى والارهاب في عموم دول المنطقة , وبقية دول العالم .ومن الملاحظ أن الادارة الأميركية وجهت الانظار في الفترة الأخيرة , وعلى إيقاع الأزمة الداخلية في فنزويلا الى الانشطة التي يقوم حزب الله في تلك الدولة , وبقية دول أميركا اللاتينية , كمثال للأخطار والتهديدات التي يمثلها الحزب الذي يعد إحدى أقوى أذرع ايران في العالم . وقال بومبيو في تصريحات متكررة إن حزب الله يمارس أنشطة تهدد الولايات المتحدة , من الارهاب الى الاتجار بالمخدرات , وغسيل الاموال , والجريمة المنظمة . وحدد بومبيو هدف مؤتمر وارسو بأنه ( ضمان استقرار الشرق الأوسط والسلام والحرّية والأمن في هذه المنطقة ، وهذا يتضمّن عنصرا مهما هو التأكد من أن إيران لا تمارس نفوذا مزعزعا للاستقرار ) , وقال في تصريح آخر أكثر وضوحا ( الهدف هو التركيز على نفوذ إيران والإرهاب في المنطقة ) .وفي أثناء جولته على الدول العربية وصف وزير الخارجية الاميركي ايران بأنها ( العدو المشترك للولايات المتحدة والدول العربية ) . وحذر في القاهرة من أن طموحات إيران لا تقتصر فقط على الشرق الأوسط , داعيا كافة الدول للتعاون من أجل “التصدي لنهج إيران” .مشاكل مع اوروبا—————–ولم ينعقد المؤتمر بسهولة , بل شهدت التحضيرات لعقده تجاذبات من أطراف أوروبية عديدة , اضافة لمقاطعة روسيا له , إذ أن دول اوروبا الرئيسية لم تتحمس له , رغم أنها صعدت مؤخرا انتقاداتها لايران , بسبب الاغتيالات التي تنفذها ضد معارضيها في البلدان الاوروبية أولا , وبسبب تطويرها لصواريخها الباليستية التي باتت تهدد دول أوروبا نفسها , ثانيا . ولكن غالبية الدول الاوروبية , بما فيها الكبرى كالمانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا لا تؤيد توجهات واشنطن التصعيدية , وترفض الانسحاب من الاتفاق النووي كما فعلت واشنطن , بسبب مصالحها الاقتصادية مع ايران . وما زالت تعارض طرح سياسة مواجهة مع ايران , وتنأى بنفسها عن خيارات واشنطن التصعيدية .ولتفادي هذه الخلافات التي قد تدفع الدول الاوروبية لعدم المشاركة الفعالة في وارسو تحاشت الدولتان الراعيتان – أميركا وبولونيا – الاشارة المباشرة لايران في العنوان , واختارتا عنوانا أشد عمومية (مؤتمر السلام والامن في الشرق الاوسط ), ولكن عناوين الملفات التي تناولها المجتمعون تتركزعلى المشاكل التي تخلقها ايران في دول المنطقة :1 – أزمات المنطقة وتداعياتها2 – تطوير وانتشار الصواريخ الباليستية .3 – الأمن الالكتروني السيبراني .4- التهديدات التي تتعرض لها مصادر الطاقة .5 – مكافحة التطرف الديني والتشدد .6 – أمن الملاحة والتجارة , وحرية الحركة عبر المضائق والبحار الدولية .وكان من اللافت أن يبدأ المؤتمر بعد كلمة وزير خارجية بولونيا ووزير خارجية الولايات المتحدة بإيجاز عن الأوضاع في سورية قدمه المبعوث الأممي الجديد الى سورية جير بيدرسون , بغرض الاشارة بشكل غير مباشر , الى مسؤولية ايران عن استمرار الحرب والصراع في البلد الذي سيطرت عليه ايران وميلشياتها , طوال سبع سنوات وعاثت فيه فسادا , وأمعنت في تخريبه وتعميق أزماته .تلاه إيجاز ثان قدمه المبعوث الاممي الى اليمن مارتن غريفيث , للإشارة الى المأساة اليمنية أيضا , ودور ايران فيها .ويتكرر التركيز على التهديدات والاخطار التي سببتها ايران من خلال المحاور التي بحثها المشاركون في ثلاث جلسات عمل متزامنة .تناولت الأولى قضية ( الصواريخ الباليستية ) عبر التركيز على ملف (نزع الأسلحة , مثل الصواريخ الباليستية , وصواريخ كروز والدرون ، بما فيها منصات إطلاق الصواريخ ) وقد تطرقت كلمات الوفود المشاركة الى البحث في ( خيارات للحد من تطوير الصواريخ , والتعاون لضمان الأمن البحري , وحماية حقوق الدول في الأمن والدفاع ) .وتناولت جلسة العمل الثانية قضية ( الأمن السيبراني والتهديدات المتصاعدة إزاء ذلك , من الدول واللاعبين المستقلين ) .وأما الجلسة الثالثة فتناولت قضية ( محاربة الإرهاب ) بما ذلك التعاون لمحاربة تمويل التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن والسلام العالمي , واقتراح تبادل المعلومات وبناء منظومات عمل وتعاون دولية فعالة , وتبادل أسرع وأكفأ للمعلومات والخبرات .وذكرت المصادر الرسمية في المؤتمر أن الدول المشاركة شكلت بالفعل ست مجموعات عمل دولية لتطبيق ومتابعة المقررات , بحيث تكون ممارسات النظام الايراني في العالم خاضعة للمراقبة بشكل محكم , والتصدي لها , واقتراح ما يناسبها من ردود وحلول ورفعها الى الحكومات والدول ومجلس الأمن .ومن الواضح أن الأميركيين أرادوا توجيه رسالة لأعدائهم مفادها أن قرار الرئيس ترامب الانسحاب من سورية لا يعني الخروج من المنطقة , وتركها لايران وجماعاتها وحلفائها . فالمؤتمر يضع سلوكيات ايران تحت مجهر دولي دقيق , ويدشن منصة قوية لتحالف دولي في وجه التوسع الايراني , والتهديدات التي توجهها للعالم على كافة الاصعدة .ولهذا السبب تعمد الاميركيون ابعاد كل الملفات الاقليمية المزمنة , وخاصة القضية الفلسطينية , لتجنيبه الغرق فيها , وانجاحه , وتوفير اجماع عالمي على (الخطر الايراني ) كخطر عالمي يهدد الجميع , لا العرب فقط , والاسرائيليين .وفي ضوء ذلك يمكننا فهم ردود افعال ايران على المؤتمر وعلى الدول التي دعت له , أو نظمته , وصلت درجة تهديد بولونيا صراحة بسبب استضافة المؤتمر , مما دعا هذه الى ارسال نائب وزير خارجيتها الى طهران للتخفيف من غضبها , والتأكيد على التزام بولونيا بالاتفاق النووي ومعارضة الغائه . وقال المسؤول البولوني – ماتشي برز ميسلاو لانغ – إن المؤتمر ليس موجها ضد ايران , ولكنه تحرك هدفه العمل من اجل الامن والسلام والاستقرار في الشرق الاوسط .ردود الافعال الايرانية تشابهت في توصيف المؤتمر فالتقت في وصفه بالعمل العدائي الموجه للشعب الايراني لا للنظام .وقال وزير الخارجية جواد ظريف في تغريدة له على تويتر ( إن المؤتمر يدل على يأس أميركي من سياسة الضغط على ايران ) . كما قال أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني ( إن دعوة الولايات المتحدة لمؤتمر دولي ضد إيران ستنتهي بالفشل حتما) .وأضاف (إن المؤتمر يعني فشل سياسة العقوبات الأقسى في التاريخ ، ويدل علی العجز والیأس . لأنها لو نجحت , لما لجأت اميركا الى هذا المؤتمر ) .وذهب آخرون الى وصف المؤتمر بأنه حملة علاقات عامة ودعاية هدفها تخويف دول العالم من التعامل مع ايران .
|
|